إلى أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بالسلك الثانوي التأهيلي إلى تلاميذ الثانوي التأهيلي المقبلين على اجتياز البكالوريا تضاعف عدد ملتقيات الاعلام المدرسي، المهني والجامعي في السنوات الأخيرة، وأصبحت الجهات المشرفة على تنظيم هذه الملتقيات تتنافس لتحظى بقصب السبق في التنظيم، ومن أجل ذلك يتم توظيف امكانات مهمة لاكتساح عدد من المدن والمؤسسات، ويتم استعمال وسائل الاعلام الالكترونية، الورقية، السمعية والمرئية للتعريف بهذه الملتقيات. هذه الجهات المنظمة تراهن على استقطاب أكبر عدد من المؤسسات الخصوصية والعمومية وعلى استقطاب أكبر عدد من الزوار من التلاميذ وأوليائهم…. وإذا كان الهدف المعلن هو تمكين التلاميذ والطلبة وأوليائهم من مادة اعلامية مفيدة محينة شاملة ودقيقة تساعد على الاختيار من خلال التواصل المباشر واللقاء عن قرب مع أساتذة وطلبة ومهنيين يمثلون عددا من المؤسسات التكوينية والمهنية، فإن الربح المادي لا بد وأن يكون هاجس عدد من الملتقيات، بل قد يشكل الهدف الرئيسي والمحوري في بعض الحالات. وإلى أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بسلك الثانوي التأهيلي، وإلى تلميذات وتلاميذ الثانوي التأهيلي المقبلين على اجتياز البكالوريا، الحائرين في تحديد اختياراتهم الدراسية، التكوينية والمهنية، الراغبين في الاستفادة من معلومات سليمة ومضبوطة تيسر لهم بلورة مشروع دراسي واقعي يأخذ بعين الاعتبار قدراتهم وميولاتهم والعرض المتوفر (المقاعد، الشعب…) في المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود أو المفتوح، في مؤسسات التكون المهني، أو في غيرها من المؤسسات والمعاهد العمومية والخاصة… إلى هؤلاء جميعا، أقول: “الحذر كل الحذر من المعلومات المغلوطة التي قد يتم تمريرها بحسن نية أو بغيرها، أو التي قد تفهم خطأ في هذه الملتقيات (الفورومات) الخاصة بالإعلام، خصوصا تلك التي ترتكز أساسا على الجانب التجاري من خلال الحرص على تحقيق أكبر ربح مادي ممكن. جل الملتقيات، وخصوصا تلك التي يغلب عليها هاجس الربح المادي، تحاول استقطاب أكبر عدد من المؤسسات الخصوصية، ولا شك أن هذه المؤسسات الخصوصية ستحاول هي الأخرى استقطاب أكبر شريحة ممكنة من التلاميذ، مما قد يدفع بعض العارضين طلبة متدربين أو موظفين عاملين بهذه المؤسسات إلى التستر على بعض المعلومات والتركيز على أخرى. إن ممارسة الماركتينغ في هذا المجال تتعارض كليا مع فلسفة الاعلام والمساعدة على التوجيه المرتكزة أساسا على تقديم المعلومات بدقة وبموضوعية، على أن يترك المجال للتلميذ للتموقع والمقارنة وتحديد الاولويات وفق قدراته وميولاته وتبعا للعرض المتوفر، وذلك وفق سيرورة توجيه ممتدة عبر مراحل. كما أن طلبة المؤسسات العمومية قد يبالغون في عرض مواقفهم الذاتية ازاء التكوين وتجربتهم الشخصية أثناء الدراسة بهذه المؤسسات، هذه المواقف لا يمكن اعتبارها بأي شكل من الأشكال مؤشرا شافيا كافيا، ولا يمكن الانطلاق منها وحدها لتحديد تصور مريح وصحيح حول الدراسة بهذه المؤسسات. فالواقع المعيش لهؤلاء الطلبة قد يرسخ تصورا مغلوطا وتمثلا غير صحيحا على الدراسة بهذه المؤسسات. إن زيارة هذه الملتقيات دون إعداد مسبق، ودون توفر حد أدنى من المعلومات القبلية، ستزج بالتلميذ وأسرته في بحر لجي من المعلومات، والتي ستتقاذفه ذات اليمين وذات الشمال، وسيؤثر في هذا الزائر نمط العرض وحلو الكلام، وسينقل به حتما من الاعلام الى الاشهار ومن التوجيه الى الماركتينغ، وسيخرج تائها حاصلا على خفي حنين، مشدوها حيرانا من زخم المعلومات المعروضة. لا بأس من زيارة هذه الملتقيات، لكنها ليست وضعية الانطلاق، وما كان لها أن تعتبر كذلك، ولن تكون أبدا وضعية للوصول، وهيهات أن تكون كذلك… إنها ليست إلا محطة من محطات التوجيه وتدقيق الاختيار، ووسيلة من وسائل شتى في سيرورة الاعلام والتوجيه وفي إعداد المشروع الشخصي، هذه السيرورة تنطلق من المؤسسات التعليمية من خلال حصص للإعلام والتوجيه، ومن خلال مقابلات فردية مع أطر التوجيه وباقي الفاعلين التربويين، ومن خلال الاستفادة من مختلف أنشطة الحياة المدرسية سواء الصفية منها أو الموازية، والاطلاع المسبق على عدد من الدعائم الاعلامية والملصقات ومن تصفح لعدد من المواقع الالكترونية المتخصصة وعلى مواقع المؤسسات والمعاهد العليا والجامعات، كل هذه الأنشطة ستسهم في معرفة التلميذ بذاته: قدراته، ميولاته واهتماماته، وفي معرفة المحيط التكويني والمهني. كل ملتقى يغيب فيه أهل التخصص من أطر التوجيه التربوي، سواء كان التغييب جزئيا أو كليا، هو ملتقى فاشل بكل المقاييس، مع العلم أن حضور أطر التوجيه التربوي في بعض هذه الملتقيات لا يعدو أن يكون إلا جزءا من الماركتينغ الذي تؤسس عليه هذه الفورومات. عندما يتم التأسيس لمنظومة توجيه قوية بالمؤسسات التعليمية، بتكوين وتعيين موارد بشرية مؤهلة إضافية وتوفير وسائل وفضاءات العمل الضرورية، وإعادة الاعتبار لإطار يسمى مستشار في التوجيه وآخر يسمى مفتش في التوجيه، ويتم تمكين هؤلاء من القيام بالمهام المخولة لهم، ويتم تفعيل أدوار المراكز الاقليمية والجهوية للإعلام والمساعدة على التوجيه، ويتم إخراج بوابة الإعلام والتوجيه الالكترونية الرسمية والمسؤولة إلى الوجود… وقتئذ لن يكون لدينا حاجة ملحة لمثل هذه الملتقيات، وفي حالة تنظيمها سيلج إليها تلاميذ وطلبة مسلحون بمعلومات قبلية تمكنهم من الاستفادة مما سيتم تقديمه وعرضه من اعلام مكمل يغني مسار توجيههم ويسهم فعلا في تنقيح مشروعهم الشخصي والمهني… وما دامت دار لقمان على حالها، والمنظومة التعليمية في أسوأ حالاتها، وتعاني بدل العطب الواحد العشرة، وجسم التقويم عليل، وهو الذي يرتكز عليه التوجيه، والتوجيه التربوي غائب عن اهتمامات المسؤولين ومرتب في ذيل أولوياتهم، فلا ينتظر من هذه الملتقيات أن تعطي إضافات نوعية، هذا إن لم تسهم هي الأخرى في زيادة الوضع تأزما عبر تقديمها لمعلومات ناقصة أو مغلوطة أو قابلة للتأويلات…
عبد الكريم بن رزوق مفتش في التوجيه التربوي عبد الكريم بن رزوق
/
إرسال تعليق